نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2054
حتى ليحجب الزبد الماء في بعض الأحيان. هذا الزبد نافش راب منتفخ.. ولكنه بعد غثاء. والماء من تحته سارب ساكن هادئ.. ولكنه هو الماء الذي يحمل الخير والحياة.. كذلك يقع في المعادن التي تذاب لتصاغ منها حلية كالذهب والفضة، أو آنية أو آلة نافعة للحياة كالحديد والرصاص، فإن الخبث يطفو وقد يحجب المعدن الأصيل. ولكنه بعدُ خبثٌ يذهب ويبقى المعدن في نقاء..
ذلك مثل الحق والباطل في هذا الحياة. فالباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابياً طافياً ولكنه بعدُ زبد أو خبث، ما يلبث أن يذهب جفاء مطروحاً لا حقيقة له ولا تماسك فيه. والحق يظل هادئاً ساكناً. وربما يحسبه بعضهم قد انزوى أو غار أو ضاع أو مات. ولكنه هو الباقي في الأرض كالماء المحيي والمعدن الصريح، ينفع الناس. «كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» وكذلك يقرر مصائر الدعوات، ومصائر الاعتقادات. ومصائر الأعمال والأقوال. وهو الله الواحد القهار، المدبر للكون والحياة، العليم بالظاهر والباطن، والحق والباطل والباقي والزائل.
فمن استجاب لله فله الحسنى. والذين لم يستجيبوا له يلاقون من الهول ما يود أحدهم لو ملك ما في الأرض ومثله معه أن يفتدى به. وما هو بمفتد، إنما هو الحساب الذي يسوء، وإنما هي جهنم لهم مهاد. ويا لسوء المهاد!:
«لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ، أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ. وَبِئْسَ الْمِهادُ» ..
ويتقابل الذين يستجيبون مع الذين لا يستجيبون. وتتقابل الحسنى مع سوء العذاب..
ومع جهنم وبئس المهاد.. على منهج السورة كلها وطريقتها المطردة في الأداء..